للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَنْ بَاعَ فَرَسًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقَّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَال: أَدَعُ الزِّقَّ، وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِجْمَاعٍ.

وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. وَهُوَ: هَل هَذَا الْفَسَادُ حُكْمِيٌّ (تَعَبُّدِيٌّ) أَوْ مَعْقُولٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: حُكْمِيٌّ، لَمْ يَرْتَفِعْ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. وَإِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.

فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ.

وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ أَكْثَرُهُ حُكْمِيٌّ، وَلِذَلِكَ لاَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، وَإِنْ تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوِ ارْتَفَعَ الْغَرَرُ (١) .

١٦ - أَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ تَحَوُّل الْبَيْعِ الْبَاطِل إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي قَاعِدَةِ (الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا) .

يَقُول السُّيُوطِيُّ: هَل الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا؟ خِلاَفٌ، وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْل قَبْضِهِ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَهُوَ إِقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَخَرَّجَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالتَّخْرِيجُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ.

قَال: إِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فَإِقَالَةٌ (٢) ، وَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ لأَِنَّهُ وَقَعَ عَلَى


(١) بداية المجتهد ٢ / ١٦٢ ط عيسى الحلبي.
(٢) الأشباه للسيوطي / ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥.