للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَفَصَّلُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ غَيْرِ الآْدَمِيِّ وَبَيْنَ الآْدَمِيِّ، وَبَيْنَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْل الدَّبْغِ وَبَيْنَ جِلْدِهَا بَعْدَ الدَّبْغِ. قَالُوا:

أ - إِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْل الدَّبْغِ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا: {لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ} وَلأَِنَّ نَجَاسَتَهُ مِنَ الرُّطُوبَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بِأَصْل الْخِلْقَةِ، فَصَارَ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ. بِخِلاَفِ الثَّوْبِ النَّجِسِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لأَِنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ بِأَصْل الْخِلْقَةِ، فَلاَ يُمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ.

ب - أَمَّا بَعْدَ الدَّبْغِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ، لأَِنَّهُ طَهُرَ بِالدَّبَّاغِ.

ج - أَمَّا الْعَظْمُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ بِأَصْل الْخِلْقَةِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ كُل شَيْءٍ لاَ يَسْرِي فِيهِ الدَّمُ لاَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، كَالشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَالْوَبَرِ وَالْقَرْنِ وَالْحَافِرِ وَالْعَظْمِ - كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي الطِّهَارَاتِ (١) - فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ، وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْكَاسَانِيُّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل لَنَا هَذِهِ الأَْشْيَاءَ، وَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ، فَيَدُل عَلَى تَأَكُّدِ الإِْبَاحَةِ، قَال تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَل لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَل لَكُمْ


(١) انظر في طهارة هذه المذكورات - على سبيل المثال - مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي عليه ص ٩١ ط الثالثة، بولاق سنة ١٣١٨ هـ.