للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَسْلِيمِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْل التَّفَرُّقِ، وَلَوْ طَال الْمَجْلِسُ. وَإِذَا قَامَا مِنَ الْمَجْلِسِ يَمْشِيَانِ، ثُمَّ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَأْسَ السَّلَمِ بَعْدَ مَسَافَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَكَذَا إِذَا تَعَاقَدَا ثُمَّ قَامَ رَبُّ السَّلَمِ - الْمُشْتَرِي - لِيُحْضِرَ الثَّمَنَ مِنْ دَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَغِبْ شَخْصُهُ عَنِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ - الْبَائِعِ - يَصِحُّ وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأَِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ أُخِّرَ تَسْلِيمُ رَأْسِ مَال السَّلَمِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَكَانَ التَّسْلِيمُ فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (١) وَلأَِنَّ تَسْمِيَةَ هَذَا الْعَقْدِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى سَلَمًا وَسَلَفًا، وَالسَّلَمُ يُنْبِئُ عَنِ التَّسْلِيمِ، وَالسَّلَفُ يُنْبِئُ عَنِ التَّقَدُّمِ، فَيَقْتَضِي لُزُومَ تَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَال، وَيُقَدَّمُ قَبْضُهُ عَلَى قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ وَلأَِنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا - أَيْ تَعْرِيضًا لِلْهَلاَكِ أَوْ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ - فَلاَ يُضَمُّ إِلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَال.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، كَمَا إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمَانَةٌ أَوْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهَا صَاحِبُ السَّلَمِ رَأْسَ مَالٍ مَا دَامَتْ مِلْكًا لَهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ.


(١) حديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ " أخرجه الدارقطني (٣ / ٧١ - ط دار المحاسن) وأعله الشافعي كما في التلخيص (٣ / ٢٦ - ط شركة الطباعة الفنية) .