للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} (١)

وَلَكِنْ مِنْ فَضْل اللَّهِ عَلَيْنَا فِي شَرِيعَةِ الإِِْسْلاَمِ أَنَّهُ جَعَل غَالِبَ أَحْكَامِهَا تُرَاعِي مَصْلَحَةَ الْعِبَادِ بِالإِِْضَافَةِ إِِلَى مَصْلَحَةِ الاِبْتِلاَءِ، وَلَكِنْ لاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُودِ أَحْكَامٍ لاَ تُرَاعِي ذَلِكَ، بَل قُصِدَ بِهَا الاِبْتِلاَءُ خَاصَّةً، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيل النُّدْرَةِ.

وَفِي هَذَا يَقُول الْغَزَالِيُّ: عُرِفَ مِنْ دَأْبِ الشَّرْعِ اتِّبَاعُ الْمَعَانِي الْمُنَاسَبَةِ دُونَ التَّحَكُّمَاتِ الْجَامِدَةِ، وَهَذَا غَالِبُ عَادَةِ الشَّرْعِ. وَيَقُول: حَمْل تَصَرُّفَاتِ الشَّارِعِ عَلَى التَّحَكُّمِ أَوْ عَلَى الْمَجْهُول الَّذِي لاَ يُعْرَفُ، نَوْعُ ضَرُورَةٍ يُرْجَعُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ. وَقَال: مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الأَْحْكَامِ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ مِنَ الْمُنَاكَحَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَمَا عَدَا الْعِبَادَاتِ فَالتَّحَكُّمُ فِيهَا نَادِرٌ، وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ وَالْمُقَدَّرَاتُ فَالتَّحَكُّمَاتُ فِيهَا غَالِبَةٌ، وَاتِّبَاعُ الْمَعْنَى نَادِرٌ (٢) . وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَال: يَجُوزُ أَنْ تَتَجَرَّدَ التَّعَبُّدَاتُ عَنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، ثُمَّ يَقَعُ الثَّوَابُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِِْذْعَانِ مِنْ غَيْرِ جَلْبِ مَصْلَحَةٍ غَيْرَ مَصْلَحَةِ الثَّوَابِ


(١) سورة البقرة / ١٤٣.
(٢) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ١ / ١٨. القاهرة، المكتبة التجارية.