للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ إِنَّمَا هِيَ بِاحْتِبَاسِ السِّلَعِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ تَمَلُّكُهَا بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ، أَوِ الْجَلْبِ، أَوْ كَانَ ادِّخَارًا لأَِكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَمَنْ يَعُول.

وَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لاَ احْتِكَارَ فِيمَا جُلِبَ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ سُوقٍ غَيْرِ سُوقِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مِنَ السُّوقِ الَّذِي اعْتَادَتِ الْمَدِينَةُ أَنْ تَجْلُبَ طَعَامَهَا مِنْهُ. وَيَرَى كُلٌّ مِنْ صَاحِبِ الاِخْتِيَارِ وَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ (١) أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ سُوقٍ اعْتَادَتِ الْمَدِينَةُ أَنْ تَجْلُبَ طَعَامَهَا مِنْهُ، فَاشْتَرَاهُ قَاصِدًا حَبْسَهُ، يَكُونُ مُحْتَكِرًا (٢) وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الشِّرَاءِ لِتَحَقُّقِ الاِحْتِكَارِ أَنَّ حَبْسَ غَلَّةِ الأَْرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لاَ يَكُونُ احْتِكَارًا. وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ. وَهُنَاكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ مَنِ اعْتَبَرَ حَبْسَ هَذِهِ الْغَلَّةِ مِنْ قَبِيل الاِحْتِكَارِ. وَمِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ يَرَى - أَيْضًا - أَنَّ هَذَا رَأْيٌ لأَِبِي يُوسُفَ. وَقَدْ نَقَل الرَّهُونِيُّ عَنِ الْبَاجِيِّ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَال: " إِذَا وَقَعَتِ الشِّدَّةُ أُمِرَ أَهْل الطَّعَامِ بِإِخْرَاجِهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ جَالِبًا لَهُ، أَوْ كَانَ مِنْ زِرَاعَتِهِ ". وَالْمُعْتَمَدُ مَا أَفَادَهُ ابْنُ رُشْدٍ (٣) .


(١) الاختيار لتعليل المختار ٣ / ١١٥، والبدائع ٥ / ١٢٩
(٢) والناظر فيما قرره العلماء على اختلاف مذاهبهم يرى أن مناط الحكم في تحقق الاحتكار وعدمه إنما هوتحقق الضرر للعامة.
(٣) التاج والإكليل ٤ / ٣٨٠، والرهوني ٥ / ١١، ١٢ وما ذهب إليه ابن رشد تؤيده قواعد الشريعة العامة، ولا تأباه قواعد المذاهب المختلفة. لكن أيعتبر ذلك احتكارا أم لا؟ فمن اشترط الشراء لا يعتبره احتكارا، وإن كان يعطي لولي الأمر حق الاستيلاء عليه دفعا للضرر على الوجه الذي سيبين بعد.