للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَلِيل الْقَوْل بِأَنَّ الاِجْتِهَادَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُضَاهِي النَّصَّ، فَلاَ يَعْدِل عَنِ الاِجْتِهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ، كَمَا لاَ يَعْدِل عَنِ النَّصِّ إِلَى الْقِيَاسِ (١) . أَمَّا إِنِ اجْتَهَدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلاِجْتِهَادِ، فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَصِيرَ إِلَى الْعَمَل أَوِ الإِْفْتَاءِ بِقَوْل غَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، قَال صَاحِبُ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ: " إِجْمَاعًا " أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ مَا عَلِمَهُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ فَلاَ يَتْرُكُهُ لِقَوْل أَحَدٍ. وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى، وَلاَ عَلَى قَوْل الصَّاحِبَيْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (٢) .

وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِتَجَزُّؤِ الاِجْتِهَادِ يَجِبُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَنْ يُقَلِّدَ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ، فَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي الْبَعْضِ مُقَلِّدًا فِي الْبَعْضِ الآْخَرِ، وَلَكِنْ قِيل: إِنَّهُ مَا دَامَ عَالِمًا فَلاَ يُقَلِّدُ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصِّحَّةِ، بِأَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الآْخَرُ (٣) .


(١) البرهان للجويني ٢ / ١٣٤٠ بتحقيق د. عبد العظيم الديب، نشر على نفقة أمير قطر، ١٣٩٩هـ، وروضة الطالبين ١١ / ١٠٠.
(٢) مسلم الثبوت ٢ / ٣٩٢، ٣٩٣.
(٣) مسلم الثبوت ٢ / ٤٠٢.