للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُكَفِّرٌ، سَوَاءٌ أَقَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَمْ عِنَادًا، أَمِ اعْتِقَادًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (١) } .

وَهَذِهِ الأَْلْفَاظُ الْمُكَفِّرَةُ قَدْ تَكُونُ صَرِيحَةً كَقَوْلِهِ: أُشْرِكُ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ، أَوْ غَيْرَ صَرِيحَةٍ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ أَوْ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَوُجُوبِ الصَّلاَةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَى.

وَأَمَّا مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِشِدَّةِ فَرَحٍ أَوْ دَهَشٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَقَوْل مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، فَقَال غَلَطًا: أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَال مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ (٢) .


(١) سورة التوبة / ٦٦.
(٢) حديث: " لله أشد فرحا بتوبة عبده. . . " أخرجه مسلم (٤ / ٢١٠٤ - ٢١٠٥ ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك