للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ، وَمِثَالُهُ: مُتَوَضِّئٌ لَمَسَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِلاَ حَائِلٍ وَخَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ كَدَمٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا الْوُضُوءَ بَاطِلٌ بِاللَّمْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَاطِلٌ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلاَ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلاَ يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِاللَّمْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِذَا صَلَّى بِهَذَا الْوُضُوءِ، فَإِنَّ صِحَّةَ صَلاَتِهِ مُلَفَّقَةٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَل بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ لأَِنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزًا فَإِنَّ جَوَازَهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ (١) .

وَفِي تَتَبُّعِ الرُّخَصِ، وَفِي مُتَتَبِّعِهَا فِي الْمَذَاهِبِ خِلاَفٌ بَيْنَ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ: وَالأَْصَحُّ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ امْتِنَاعُ تَتَبُّعِهَا لأَِنَّ التَّتَبُّعَ يُحِل رِبَاطَ التَّكْلِيفِ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا تَبِعَ حِينَئِذٍ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ (٢) .

بَل ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ فِسْقٌ، وَالأَْوْجَهُ كَمَا فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ خِلاَفُهُ، وَقِيل: مَحَل الْخِلاَفِ فِي حَالَةِ تَتَبُّعِهَا مِنَ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلاَّ فُسِّقَ قَطْعًا، وَلاَ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْل ابْنِ الْحَاجِبِ كَالآْمِدِيِّ: مَنْ عَمِل فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْل إِمَامٍ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَل فِيهَا بِقَوْل غَيْرِهِ اتِّفَاقًا، لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْعَمَل الأَْوَّل مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَعَ الثَّانِي تَرَكُّبُ حَقِيقَةٍ لاَ يَقُول بِهَا كُلٌّ مِنَ الإِْمَامَيْنِ، كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ. (٣)

وَتَتَبُّعُهَا عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْعَمَل بِقَوْلٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الأَْخَفِّ (٤) .

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

هَذَا وَالتَّلْفِيقُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ مَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ بِالأَْخْذِ بِأَقْوَال عَدَدٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ فِيهَا. أَمَّا الأَْخْذُ بِأَقْوَال الأَْئِمَّةِ فِي مَسَائِل مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ تَلْفِيقًا وَإِنَّمَا هُوَ تَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ أَوْ تَخَيُّرٌ مِنْهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَقْلِيدٌ) .


(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٥١ و٣ / ٦٠٢ ط الأميرية.
(٢) جمع الجوامع مع حاشية البناني عليه ٢ / ٤٠٠ ط الحلبي.
(٣) نهاية المحتاج ١ / ٤١ ط المكتبة الإسلامية.
(٤) تيسير التحرير ٤ / ٢٥٤ ط الحلبي.