للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَبْرِئَةُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهَا كَمَا تَقَدَّمَ (١) .

أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ الْمَالِيَّةِ كَالْحُدُودِ مَثَلاً فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جَرِيمَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ (الْحِرَابَةُ) تَسْقُطُ بِتَوْبَةِ الْقَاطِعِ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢) .

فَدَلَّتْ هَذِهِ الآْيَةُ عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا تَابَ قَبْل أَنْ يُظْفَرَ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِمَا قَبْل الْقُدْرَةِ فِي الآْيَةِ أَنْ لاَ تَمْتَدَّ إِلَيْهِمْ يَدُ الإِْمَامِ بِهَرَبٍ أَوِ اسْتِخْفَاءٍ أَوِ امْتِنَاعٍ.

وَتَوْبَتُهُ بِرَدِّ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَال لاَ غَيْرُ، مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ لِمِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل. فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ أَصْلاً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْل حَدًّا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَل حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ حَدًّا، وَلَكِنْ يَدْفَعَهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول يَقْتُلُونَهُ قِصَاصًا إِذَا تَحَقَّقَتْ شُرُوطُهُ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل فَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَل وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَل (٣) .

وَلاَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ حَدُّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ إِذَا ارْتَكَبَهَا حَال الْحِرَابَةِ ثُمَّ تَابَ قَبْل


(١) الروضة ١١ / ٢٤٦، وكشاف القناع ٢ / ٢٥٧.
(٢) سورة المائدة / ٣٤.
(٣) البدائع ٧ / ٩٦، ابن عابدين ٣ / ١٤٠، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٩٥، والفروق للقرافي ٤ / ١٨١، ونهاية المحتاج ٨ / ٦، والمغني ٨ / ٢٩٦، ٢٩٧، والقليوبي ٤ / ٢٠١.