للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُصُول الْفِقْهِ. وَقَال النَّوَوِيُّ: " إِنْ رَأَى الْمُفْتِي الْمَصْلَحَةَ أَنْ يُفْتِي الْعَامِّيُّ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ، وَهُوَ مِمَّا لاَ يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُ، وَلَهُ فِيهِ تَأْوِيلٌ، جَازَ ذَلِكَ، زَجْرًا لِلْعَامَّةِ؛ وَلِمَنْ قَل دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ (١) .

- فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْفُتْيَا بِمُقْتَضَى الدَّلِيل، بَل أَفْتَاهُ بِمَا فِيهِ الرُّخْصَةُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، فَيَكُونُ التَّرْخِيصُ تَشَهِّيًا وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى، وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلَيْسَ اخْتِلاَفُ الْعُلَمَاءِ دَلِيلاً عَلَى جَوَازِ الأَْمْرِ عَلَى الْوُجُوهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا.

قَال الشَّاطِبِيُّ: الْفَقِيهُ لاَ يَحِل لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَعْضَ الأَْقْوَال بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالأَْغْرَاضِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَلاَ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ أَحَدًا. وَالْمُقَلِّدُ فِي اخْتِلاَفِ الأَْقْوَال عَلَيْهِ مِثْل مَا عَلَى الْمُفْتِي (٢) .

- هَذَا وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لَيْسَ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ حَرَجٌ وَشِدَّةٌ عَلَى الْمُسْتَفْتِي مَا دَامَ يَجِدُ لَهُ مَخْرَجًا شَرْعِيًّا صَحِيحًا. قَال الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِهِ عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (٣) قَال: لَمَّا كَانَ الْحَرَجُ الضِّيقُ، وَنَفَى اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ إِرَادَةَ الْحَرَجِ بِنَا، سَاغَ الاِسْتِدْلاَل بِظَاهِرِهِ فِي نَفْيِ الضِّيقِ


(١) المجموع للنووي ١ / ٥٠ نشر منير الدمشقي.
(٢) الموافقات ٤ / ١٤٠، ١٤١، والفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر ٤ / ٣٠٤، والأحكام للقرافي ص٢٧١، وفتاوى ابن تيمية ٢٠ / ٢٢٠، ٢٢١، وشرح الإقناع للبهوتي ٦ / ٣٠٧.
(٣) سورة المائدة / ٦.