للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ بِحَالَةِ الذُّل وَالصَّغَارِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى الإِْصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ.

وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الثَّوَابِ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْعُقُوبَةِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. وَلاَ شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الأَْوَّل، لأَِنَّ الْكُفْرَ مَعْصِيَةٌ وَشَرٌّ، وَلَيْسَ طَاعَةً فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي لِلْجَزَاءِ: وَهُوَ الْعُقُوبَةُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ (١) . قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاسْتَدَل عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ وَهُوَ جِنَايَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُسَبِّبُهَا عُقُوبَةً، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَهُمُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلاَءُ الْمُقَاتِلُونَ (٢) .

وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ ابْتِدَاءً هُوَ الْقَتْل عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَمَّا دُفِعَ عَنْهُمُ الْقَتْل بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْجِزْيَةَ، صَارَتِ الْجِزْيَةُ عُقُوبَةً بَدَل عُقُوبَةِ الْقَتْل.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ عِوَضًا عَنْ مُعَوَّضٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُعَوَّضِ الَّذِي تَجِبُ الْجِزْيَةُ بَدَلاً عَنْهُ.

فَقَال بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ: الْجِزْيَةُ تَجِبُ عِوَضًا عَنِ النُّصْرَةِ: وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ نُصْرَةَ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِحِمَايَةِ دَارِ الإِْسْلاَمِ وَالدِّفَاعِ عَنْهَا.


(١) فتح القدير ٥ / ٢٩٦.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٩٢٤.