للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَخَذَ بِهَا هُوَ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَكَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَل مِنَ الْمُشْرِكِينَ إلاَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ (١) . وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (٢) } فَهُوَ خَاصٌّ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ، لأَِنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (٣) .} وَهِيَ الأَْشْهُرُ الأَْرْبَعَةُ الَّتِي كَانَ الْعَرَبُ يُحَرِّمُونَ الْقِتَال فِيهَا.

وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذِ الْجِزْيَةَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.

رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ عَبَدَةَ الأَْوْثَانِ عَلَى الْجِزْيَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْعَرَبِ (٤) . وَقَال ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: " أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ عَبَدَةِ الأَْوْثَانِ


(١) بدائع الصنائع ٩ / ٤٣٢٩، وتبيين الحقائق ٣ / ٢٧٧، وحاشية ابن عابدين ٤ / ١٩٨، ومجمع الأنهر ١ / ٦٧٠، والمغني ٨ / ٥٠٠، والجامع لأحكام القرآن ٨ / ١١٠، والمنتقى ٢ / ١٧٣.
(٢) سورة التوبة / ٥.
(٣) سورة التوبة / ٥.
(٤) ابن التركماني: الجوهر النقي على السنن الكبرى ٩ / ١٨٧.