للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى إِقْرَارِ مَنْ تُقْبَل مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى السُّكْنَى فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ فِيمَا عَدَا الْحِجَازَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَتَجُوزُ لَهُمْ سُكْنَى الْيَمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِمَّا لاَ يَدْخُل فِي بِلاَدِ الْحِجَازِ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْل أَبِي عُبَيْدَةَ: كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ، وَأَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ (٢) .

قَالُوا: فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ يَدُل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ تُقْبَل مِنْهُ الْجِزْيَةُ سُكْنَى الْحِجَازِ وَالإِْقَامَةُ فِيهِ، كَمَا لاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى الإِْقَامَةِ فِيهِ بِجِزْيَةٍ، وَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا. وَالْمُرَادُ بِالْحِجَازِ - كَمَا سَبَقَ - مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوا أَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ بِلاَدَهُمْ - وَهِيَ الْيَمَنُ - مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ


(١) حاشية قليوبي ٤ / ٢٣٠، نهاية المحتاج ٨ / ٨٥، المغني ٨ / ٥٣٠، كشاف القناع ٣ / ٢٣٤، أحكام أهل الذمة لابن القيم ١ / ١٧٩ - ١٨٥.
(٢) حديث: " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران. . . " أخرجه أحمد (١ / ١٩٥ ط الميمنية) وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما: (مجمع الزوائد ٥ / ٣٢٥ ط القدسي) .