للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُل حَوْلٍ، فَلَمْ تَتَدَاخَل كَالزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهِمَا.

وَلأَِنَّ الْمُدَّةَ لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي إِسْقَاطِ الْوَاجِبِ كَخَرَاجِ الأَْرْضِ (١) .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَضَتْ عَلَى الْجِزْيَةِ سَنَةٌ وَدَخَلَتْ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ الْجِزَى تَتَدَاخَل، فَتَسْقُطُ جِزَى السَّنَوَاتِ الْمَاضِيَةِ وَيُطَالَبُ بِجِزْيَةِ السَّنَةِ الْحَالِيَّةِ (٢) . وَاسْتَدَل لِذَلِكَ:

بِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ، وَالْعُقُوبَاتُ إِذَا تَرَاكَمَتْ تَدَاخَلَتْ خَاصَّةً إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ. أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ زَنَى مِرَارًا ثُمَّ رُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى الإِْمَامِ لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ إِلاَّ حَدًّا وَاحِدًا بِجَمِيعِ الأَْفْعَال.

وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلاً عَنْ حَقْنِ الدَّمِ فِي الْمُسْتَقْبَل، فَإِذَا صَارَ دَمُهُ مَحْقُونًا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَلاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ لأَِجْلِهَا، لاِنْعِدَامِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا إِذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَقْنِ بِالْجِزْيَةِ؛ وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ مَا وَجَبَتْ إِلاَّ لِرَجَاءِ الإِْسْلاَمِ، وَإِذَا


(١) روضة الطالبين ١٠ / ٣١٢، والمغني ٨ / ٥١٢، وكشاف القناع ٣ / ١٢٢، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ١ / ٦١.
(٢) الهداية ٢ / ١٦١، وفتح القدير ٥ / ٢٩٧، والبدائع ٩ / ٤٣٣، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٠٠، وتبيين الحقائق ٣ / ٢٧٩.