للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ (١) . وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال لِلْجَلاَّدِ: " أَعْطِ كُل عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ.

ثُمَّ إِنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الإِْنْسَانِ وَمَعْدِنُ جَمَالِهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجَنُّبِهِ خَوْفًا مِنْ تَجْرِيحِهِ وَتَقْبِيحِهِ.

وَأَمَّا عَدَمُ ضَرْبِ الْمَقَاتِل فَلأَِنَّ فِي ضَرْبِهَا خَطَرًا؛ وَلأَِنَّهَا مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْل إِلَى صَاحِبِهَا بِالضَّرْبِ عَلَيْهَا، وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِّ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لاَ الْقَتْل (٢) .

وَقَدْ أَلْحَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الرَّأْسَ بِالْوَجْهِ بِالْمَعْنَى، وَاعْتَبَرُوهُ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي الضَّرْبِ، لأَِنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ، وَبِعَدَمِ ضَرْبِهِ جَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْبُوطِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الرَّأْسَ لاَ يُسْتَثْنَى مِنَ الضَّرْبِ؛ لأَِنَّهُ مُعَظَّمٌ (أَيْ يُحْوَى بِالْعَظْمِ) وَمَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ فَلاَ يُخَافُ تَشْوِيهُهُ، بِخِلاَفِ الْوَجْهِ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ فَقَال لِلْجَلاَّدِ: " اضْرِبِ الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا (٣) .


(١) حديث: " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ". أخرجه أحمد (٢ / ٢٤٤ - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة. وهو في البخاري (الفتح ٥ / ١٨٢ - ط السلفية) بلفظ: " إذا قاتل ".
(٢) فتح القدير ٤ / ١٢٦ - ١٢٧، وتبين الحقائق ٣ / ١٩٨، والدسوقي ٤ / ٣٥٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٠، والمغني ٨ / ٣١٧، وعون المعبود ١٢ / ٢٠٠.
(٣) فتح القدير ٤ / ١٢٧، والدسوقي ٤ / ٣٥٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٩٠، ونهاية المحتاج ٨ / ١٥، وروضة الطالبين ١٠ / ١٧٢، والمغني ٨ / ٣١٧.