للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعُلَمَاءِ، وَفِيهَا نَزَل الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. كَمَا سَبَقَ (١) .

وَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَحْصَرَ الْعَدُوُّ طَرِيقًا إِلَى مَكَّةَ أَوْ عَرَفَةَ، وَوَجَدَ الْمُحْصَرُ طَرِيقًا آخَرَ، يَنْظُرُ فِيهِ: فَإِنْ أَضَرَّ بِهِ سُلُوكُهَا لِطُولِهِ، أَوْ صُعُوبَةِ طَرِيقِهِ، ضَرَرًا مُعْتَبَرًا، فَهُوَ مُحْصَرٌ شَرْعًا. وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ فَلاَ يَكُونُ مُحْصَرًا شَرْعًا (٢) .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَلْزَمُوا الْمُحْصَرَ بِالطَّرِيقِ الآْخَرِ وَلَوْ كَانَ أَطْوَل أَوْ فِيهِ مَشَقَّةٌ، مَا دَامَتِ النَّفَقَةُ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَعِبَارَاتُهُمْ مُطْلَقَةٌ عَنِ التَّقْيِيدِ بِأَيٍّ مِنْ هَذَيْنِ الأَْمْرَيْنِ، مِمَّا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ بِالطَّرِيقِ الآْخَرِ وَلَوْ كَانَ أَطْوَل أَوْ أَشَقَّ، وَلَوْ كَانَتِ النَّفَقَةُ لاَ تَكْفِيهِمْ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى تَرْجِيحِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِفَوَاتِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الطَّرِيقِ الثَّانِي، وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ أَوَّلاً (٣) .

فَإِذَا سَلَكَ الطَّرِيقَ الأَْطْوَل فَفَاتَهُ الْحَجُّ بِطُول الطَّرِيقِ أَوْ خُشُونَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَمَا يَحْصُل الْفَوَاتُ بِسَبَبِهِ فَقَوْلاَنِ مَشْهُورَانِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، بَل يَتَحَلَّل تَحَلُّل الْمُحْصَرِ؛ لأَِنَّهُ مُحْصَرٌ، وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ سَلَكَهُ ابْتِدَاءً، فَفَاتَهُ بِضَلاَلٍ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَلَوِ اسْتَوَى الطَّرِيقَانِ مِنْ كُل وَجْهٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ.


(١) المجموع ٨ / ٢٦٧، والمغني ٣ / ٣٥٦
(٢) المسلك المتقسط ٢٧٣، والدردير شرح مختصر خليل ٢ / ٩٣
(٣) وقال في منار السبيل ١ / ٢٦٩: " لو صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته فلا قضاء " فأشار إلى أنه لو تحلل بعد الفوات فعليه القضاء، كما هنا. والعبارة للمجموع للنووي الشافعي ٨ / ٢٤٠ بتصرف يسير. وانظر المغني ٣ / ٣٥٧، والكافي ١ / ٦٢٤، وغاية المنتهى وشرحه مطالب أولي النهى ٢ / ٤٥٧