للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (١) .

قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِلاَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ الاِنْصِرَافُ لِمِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ، وَيَجُوزُ انْصِرَافُ مِائَةٍ ضُعَفَاءَ عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبْطَالاً فِي الأَْصَحِّ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ عَلَى حُرْمَةِ الاِنْصِرَافِ مِنَ الصَّفِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ؛ لأَِنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا لَهُمْ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الأَْوْصَافِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَصَّ الْخِلاَفُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدِ وَنَقْصِهِ، وَلاَ بِرَاكِبٍ وَمَاشٍ، بَل الضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزَّائِدَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ، أَوْ مِنَ الضَّعْفِ مَا لاَ يُقَاوِمُونَهُمْ، وَحَيْثُ جَازَ الاِنْصِرَافُ فَإِنْ غَلَبَ الْهَلاَكُ بِلاَ نِكَايَةٍ لِلْكُفَّارِ وَجَبَ الاِنْصِرَافُ، وَإِنْ غَلَبَ الْهَلاَكُ عَلَى حُصُول النِّكَايَةِ لَهُمْ يُسْتَحَبُّ الاِنْصِرَافُ (٢) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا الْبَابِ لِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَأَكْبَرِ الظَّنِّ دُونَ الْعَدَدِ. فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْغُزَاةِ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ يَلْزَمُهُمُ الثَّبَاتُ، وَإِنْ كَانُوا أَقَل عَدَدًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْحَازُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَ الْكَفَرَةِ. وَكَذَا الْوَاحِدُ مِنْ الْغُزَاةِ، لَيْسَ


(١) سورة البقرة / ٢٤٩.
(٢) نهاية المحتاج ٨ / ٦٦، ٦٧.