للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لأَِنَّ الْخِطَابَ بِالْوُجُوبِ لاَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ إِلاَّ بِأَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.

لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَصَلُوا بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُسْتَقِرِّ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ غَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ، فَقَالُوا: " إِنْ كَانَ وَاجِبًا مُسْتَقِرًّا كَالْقَضَاءِ، وَالنَّذْرِ، وَحَجَّةِ الإِْسْلاَمِ الَّتِي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا قَبْل هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا أَفَادَهُ الإِْحْصَارُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، وَهِيَ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ فِي السَّنَةِ الأُْولَى مِنْ سِنِي الإِْمْكَانِ سَقَطَتِ الاِسْتِطَاعَةُ فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ شُرُوطُ الاِسْتِطَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَلَوْ تَحَلَّل بِالإِْحْصَارِ ثُمَّ زَال الإِْحْصَارُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الاِسْتِطَاعَةِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ عَنْ هَذِهِ السَّنَةِ لأَِنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي (١) ".

٥٠ - أَمَّا مَنْ أُحْصِرَ عَنْ نُسُكِ التَّطَوُّعِ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ عَنِ الْبَيْتِ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلاَ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلاَ أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ، وَلاَ حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلاَ قَال فِي الْعَامِ الْمُقْبِل: إِنَّ عُمْرَتِي هَذِهِ قَضَاءٌ عَنِ الْعُمْرَةِ الَّتِي حُصِرْتُ فِيهَا. وَلَمْ يُنْقَل ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاضَى قُرَيْشًا وَصَالَحَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَصْدِهِ مِنْ قَابِلٍ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ.


(١) المجموع ٨ / ٣٠٦ ط أولى.