للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي شَيْءٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَبِل الرُّجُوعَ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالزِّنَى فَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلاَفِ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ الْحَدِّ الشُّبْهَةُ الْمُعْتَبَرَةُ (١) ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ. (٢)

وَالْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ الَّتِي تَلْحَقُ الْمُكَلَّفَ تَكُونُ سَبَبًا لإِِسْقَاطِ بَعْضِ التَّكَالِيفِ عَمَّنْ تَلْحَقُهُمُ الْمَشَقَّةُ وَذَلِكَ تَفَضُّلاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَةً بِهِمْ، وَذَلِكَ كَإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ عَنِ الْمَجْنُونِ، وَإِسْقَاطِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ بِالنِّسْبَةِ لأَِصْحَابِ الأَْعْذَارِ كَالْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ لِمَا يَنَالُهُمْ مِنْ مَشَقَّةٍ.

وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْمَشَاقَّ وَأَنْوَاعَهَا، وَبَيَّنُوا لِكُل عِبَادَةٍ مَرْتَبَةً مُعَيَّنَةً مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إِسْقَاطِهَا، وَأَدْرَجُوا ذَلِكَ تَحْتَ قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٣) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ


(١) المنثور ٢ / ٥٩، ٢٢٥ والبدائع ٧ / ٦١ والفروق للقرافي ٤ / ١٧٢.
(٢) حديث: " ادرؤوا الحدود بالشبهات ". عزاه السخاوي في (المقاصد الحسنة) إلى أبي سعد السمعاني في كتابه " الذيل " وقال: " قال شيخنا - يعني ابن حجر: - في سنده من لا يعرف ". المقاصد (ص٣٠ - ط الخانجي) .
(٣) سورة البقرة / ١٨٥.