للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَْوَّل: الْعُرْفُ، وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْمَعْهُودَ وَالْغَالِبَ وَالْعَادَةَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى حُجِّيَّتِهِ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . (١)

وَقَدْ قَالُوا: الْعُرْفُ مُقَدَّمٌ عَلَى الأَْصْل، وَكُل أَصْلٍ كَذَّبَهُ الْعُرْفُ، رُجِّحَ هَذَا الأَْخِيرُ عَلَيْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَسَائِل، مِنْهَا مَا لَوِ ادَّعَى الصَّالِحُ التَّقِيُّ الْعَظِيمُ الْمَنْزِلَةَ أَوِ الشَّأْنَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ عِلْمًا وَدِينًا دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ، وَالأَْصْل بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ الأَْصْل عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (٢)

الأَْمْرُ الثَّانِي: الْقَرَائِنُ وَظَوَاهِرُ الْحَال وَغَلَبَةُ الظَّنِّ، فَمَنْ حَازَ شَيْئًا مُدَّةً يَتَصَرَّفُ فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ قَوْل الْحَائِزِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، وَيَكُونُ الآْخَرُ مُدَّعِيًا، لأَِنَّ قَوْلَهُ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنَ الْوَاقِعِ وَالْقَرَائِنِ، فَيُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَقَعَتْ دَعْوَاهُ بِيَمِينِ الْحَائِزِ. (٣)

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَسَائِل، إِمَّا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ،


(١) سورة الأعراف / ١٩٩
(٢) القوانين الفقهية ص ٢٨٨، العقد المنظم للحكام ٢ / ١٩٨، وتهذيب الفروق ٤ / ١١٩ - ١٢٠
(٣) القوانين الفقهية ص ٢٨٨