للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُونَا مُسْتَفَادَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَصْلَيْنِ فِي قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَانَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُدَّعِيًا مُكَلَّفًا بِالْبَيِّنَةِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ الأُْمِّ مَا نَصُّهُ: إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَكْرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ، فَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ. (١)

وَيَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّقَّةَ لَيْسَتْ بَعِيدَةً بَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَجْل التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَال بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، بَل إِنَّهُمَا يَكَادَانِ يَتَشَابَهَانِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمَا مُنْحَصِرٌ فِي التَّطْبِيقِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَتَعَارَضُ أَمْرَانِ مِنْ أُمُورِ الظَّاهِرِ: فَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ الأَْصْل أَقْوَى مَنَابِعِ الظُّهُورِ غَالِبًا، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ دَلاَئِل الْحَال مِنْ عُرْفٍ وَقَرَائِنَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدَّمَ الأَْقْوَى فِي نَظَرِهِ، وَجَعَل مُخَالِفَهُ مُدَّعِيًا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

١١ - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ: مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مَنْ إِذَا تَرَكَهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا. (٢) وَمِثْلُهُ قَوْل الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ


(١) الأم ٦ / ٢٤١ - المطبعة الأميرية ببولاق - الطبعة الأولى ١٣٢٤ هـ
(٢) المبسوط ١٧ / ٣١، وبدائع الصنائع ٦ / ٢٢٤، وتبيين الحقائق ٤ / ٢٩١، وتبصرة الحكام ١ / ١٢٤، والوجيز ٢ / ٢٦٠، والمغني ٩ / ٢٧٢