للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٧ - الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَقَّ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الَّذِي يَنْظُرُ فِي الدَّعْوَى يَكُونُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ لِلْمُدَّعِي، وَإِلَى هَذَا الرَّأْيِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ.

وَيَسْتَنِدُ هَذَا الرَّأْيُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمَدَافِعُ يَطْلُبُ السَّلاَمَةَ لِنَفْسِهِ، وَالأَْصْل بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ، فَأَخْذُهُ إِلَى مَنْ يَأْبَاهُ لِرِيبَةٍ يَثْبُتُ عِنْدَهُ رُبَّمَا يُوقِعُهُ فِي ارْتِبَاكٍ يَحْصُل لَهُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، فَالأَْوْلَى مُرَاعَاةُ جَانِبِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَاعْتِبَارُ اخْتِيَارِهِ، لأَِنَّهُ يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَخَصْمُهُ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ طَلَبَ السَّلاَمَةَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِمَّنْ طَلَبَ ضِدَّهَا. (١)

وَيَرَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ عِنْدَهُ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي الَّذِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ الدَّعْوَى وَيُنْظَرُ فِيهَا هِيَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَاضِيَ هَذَا الْمَكَانِ هُوَ الْمُخْتَصُّ فِيهِ، فَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ لاِخْتِيَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لِمَكَانِهِ. (٢)

١٨ - الرَّأْيُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ،


(١) الدر المختار مع تكملة الحاشية ٧ / ٤٠١، البحر الرائق ٧ / ١٩٣
(٢) الفواكه البدرية ص ٧٦، البحر الرائق ٧ / ١٩٣