للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِثُبُوتِ حُكْمِهِ، فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْفَسْخِ، فَحَصَل مَعْنَى الرُّجُوعِ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَقَال: لاَ أَعْرِفُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ، قَال: هَذَا رُجُوعٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَال: لَمْ أُوصِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ.

وَقَال مُحَمَّدٌ: لاَ يَكُونُ الْجَحْدُ رُجُوعًا، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ: إِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ قَال بَعْدَ ذَلِكَ: اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لِفُلاَنٍ بِقَلِيلٍ وَلاَ كَثِيرٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ وَصِيَّةِ فُلاَنٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلاَفًا؛ لأَِنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ يَسْتَدْعِي سَابِقِيَّةَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ، وَالْجُحُودُ إِنْكَارُ وُجُودِهَا أَصْلاً، فَلاَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الرُّجُوعِ، فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَل رُجُوعًا. قَال الْكَاسَانِيُّ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الأَْصْل قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْل مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. (١)

وَمِمَّا يُعْتَبَرُ رُجُوعًا عَنِ الإِْقْرَارِ بِالزِّنَى هُرُوبُ الزَّانِي وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لأَِنَّ الْهَرَبَ دَلِيل الرُّجُوعِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا هَرَبَ مَاعِزٌ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ (٢) وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا


(١) البدائع ٧ / ٣٨٠ - ٣٨١، ومغني المحتاج ٣ / ٧١، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٥٤٦.
(٢) حديث: " هلا تركتموه وجئتموني به " أخرجه أبو داود ٤ / ٥٧٦ - ٥٧٧ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله.