للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّرَاخِي بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. قَال تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (١) .

وَالْعَمَل بِالْعَزِيمَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا أَوْلَى مِنَ الْعَمَل بِالرُّخْصَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَيِ الصَّوْمُ أَوْلَى مِنَ الإِْفْطَارِ عِنْدَهُمْ.

أَوَّلاً: لأَِنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ - وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ - كَانَ قَائِمًا، وَتَرَاخِي الْحُكْمِ بِالأَْجَل غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ التَّعْجِيل، مِثْلَمَا هُوَ الأَْمْرُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل، فَكَانَ الْمُؤَدِّي لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَامِلاً لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَالْمُتَرَخِّصُ بِالْفِطْرِ عَامِلاً لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّرْفِيهِ، فَقَدَّمَ حَقَّ اللَّهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ.

ثَانِيًا: لأَِنَّ فِي الأَْخْذِ بِالْعَزِيمَةِ نَوْعَ يُسْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ أَيْسَرُ مِنَ التَّفَرُّدِ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ. (٢) هَذَا إِذَا لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا أَضْعَفَهُ كَانَ الْفِطْرُ أَوْلَى، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِمًا بِلاَ خِلاَفٍ. وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الأَْخْذَ بِالرُّخْصَةِ فِي هَذَا الْمِثَال، وَالْجَمِيعُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْل إِدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْل رَمَضَانَ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ


(١) سورة البقرة / ١٨٤.
(٢) كشف الأسرار ١ / ٦٤٠، والتوضيح ٣ / ٨٥، مرآة الأصول ٢ / ٣٩٦، وفواتح الرحموت ١ / ١٧١.