للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ رَدِّهَا (أَيْ تُصْبِحُ لَدَيْهِ وَدِيعَةً) لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ تَعَلَّقَ بِضَمَانِ الرَّدِّ وَهُوَ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ. أَمَّا إِنِ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ، أَوْ مَنَعَهَا مِنَ الْمَالِكِ بَعْدَ طَلَبِهَا، فَلاَ أَثَرَ لِلإِْبْرَاءِ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا. فَلَمْ يَتَعَلَّقِ الإِْبْرَاءُ بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا حَال قِيَامِ الْعَيْنِ. (١)

كَمَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ الإِْبْرَاءِ عَنِ الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ (فِيمَا لَوْ تَكَفَّل بِأَدَاءِ مَا يَمُوتُ فُلاَنٌ وَلَمْ يُؤَدِّهِ) لأَِنَّ الْكَفَالَةَ عَمَّا يَجِبُ مِنْ مَالٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَال لَمْ يَجِبْ لِلْكَفِيل عَلَى الأَْصِيل، فَلاَ يَصِحُّ إِبْرَاؤُهُ قَبْل الْوُجُوبِ. وَنَحْوُهُ لَوْ قَال: أَبْرَأْتُكَ عَنْ ثَمَنِ مَا تَشْتَرِيهِ مِنِّي غَدًا فَلاَ يَصِحُّ الإِْبْرَاءُ أَيْضًا.

وَمَثَّل لَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِإِبْرَاءِ الْمُفَوِّضَةِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْل الْفَرْضِ (التَّقْدِيرِ) وَالدُّخُول، وَمِثْلُهُ الإِْبْرَاءُ عَنِ الْمُتْعَةِ قَبْل الطَّلاَقِ، لِعَدَمِ الْوُجُوبِ. وَاسْتَثْنَوْا صُورَةً يَصِحُّ فِيهَا الإِْبْرَاءُ قَبْل الْوُجُوبِ. وَهِيَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلاَ إِذْنٍ، وَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، أَوْ رَضِيَ بِبَقَائِهَا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ حَافِرُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا. (٢)

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الاِكْتِفَاءِ بِوُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ أَوِ الْوَاقِعَةُ الَّتِي يَنْشَأُ بِهَا الْحَقُّ الْمُبْرَأُ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِبِ الْحَقُّ بَعْدُ، وَقَدْ تَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ الْحَطَّابُ فِي (الاِلْتِزَامَاتِ) فَعَقَدَ فَصْلاً لإِِسْقَاطِ الْحَقِّ


(١) حاشية ابن عابدين ٢ / ٦٥٣ ط بولاق. أما الإبراء بعد الفرض فيصح مما مضى مطلقا، وعما بعده مما وجب بدخول أول وقته حسب طريقة فرض النفقة باليوم أو الشهر أو السنة.
(٢) الفتاوى الهندية ٣ / ٩٥، الفتاوى الخانية ٣ / ٦٣ بهامش الهندية، والأشباه والنظائر للسيوطي ٤٩٠