للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أُمِّ عَبْدٍ مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى عَلَى أُمَّتِي؟ قَال: فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: لاَ يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلاَ يُقْتَل أَسِيرُهُمْ، وَلاَ يُقْسَمُ فَيْؤُهُمْ. (١)

٣٨ - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ سَبْيِ نِسَاءِ الْبُغَاةِ وَذَرَارِيِّهِمْ. بَل ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى قَصْرِ الأَْسْرِ عَلَى الرِّجَال الْمُقَاتِلِينَ وَتَخْلِيَةِ سَبِيل الشُّيُوخِ وَالصِّبْيَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا وَقَعَ الْقِتَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ، قَرَّرَ عَلِيٌّ عَدَمَ السَّبْيِ وَعَدَمَ أَخْذِ الْغَنِيمَةِ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ كَانُوا فِي صُفُوفِهِ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ: أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ؟ أَمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا. فَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ أُمَّكُمْ كَفَرْتُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (٢) وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهَا أُمُّكُمْ وَاسْتَحْلَلْتُمْ سَبْيَهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} (٣) . فَلاَ يُسْتَبَاحُ مِنْهُمْ إِلاَّ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ الْقِتَال (٤) وَيَبْقَى حُكْمُ الْمَال وَالذُّرِّيَّةِ عَلَى أَصْل الْعِصْمَةِ. وَلِفُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ أَسْرَى الْبُغَاةِ.


(١) حديث " لا يتبع مدبرهم، ولا يجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيؤهم " أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: يا بن مسعود أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال ابن مسعود:
(٢) سورة الأحزاب / ٦.
(٣) سورة الأحزاب / ٥٣.
(٤) الشرح الكبير مع المغني ١٠ / ٦٥، وفتح القدير ٤ / ٤١٣.