للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّتِي امْتَنَعَ تَكْلِيفُهُ مِنْ أَجْلِهَا بِخِلاَفِ الْبَهِيمَةِ (١) وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: نِسْيَانُ الأَْحْكَامِ بِسَبَبِ قُوَّةِ الشَّهَوَاتِ لاَ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ، كَمَنْ رَأَى امْرَأَةً جَمِيلَةً وَهُوَ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا نَاسِيًا عَنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ (٢)

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لاَ يُنَافِي الْوُجُوبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُ لاَ يُنَافِي الْعَقْل، وَلاَ حُكْمَ الْفِعْل، وَلاَ الْقَوْل، وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يُجْعَل عُذْرًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُ يَعْدَمُ الْقَصْدَ، إِذِ الْقَصْدُ إِلَى فِعْلٍ بِعَيْنِهِ لاَ يُقْصَدُ قَبْل الْعِلْمِ بِهِ.

قَال أَبُو الْيُسْرِ: النِّسْيَانُ سَبَبٌ لِلْعَجْزِ؛ لأَِنَّ النَّاسِيَ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ، فَيَمْنَعُ وُجُودَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ كَسَائِرِ الأَْعْذَارِ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، لَكِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحُقُوقِ، فَإِنَّهُ لاَ يُخِل بِالأَْهْلِيَّةِ، وَإِيجَابُ الْحُقُوقِ عَلَى النَّاسِي لاَ يُؤَدِّي إِلَى إِيقَاعِهِ فِي الْحَرَجِ لِيَمْتَنِعَ الْوُجُوبُ بِهِ، إِذِ الإِْنْسَانُ لاَ يَنْسَى عِبَادَاتٍ مُتَوَالِيَةً


(١) شرح الكوكب المنير ١ / ٥١١ - ٥١٢، وانظر شرح مختصر الروضة للطوفي ١ / ١٨٨، ونزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر لابن بدران ١ / ١٣٩ - ١٤١، والقواعد والفوائد الأصولية ص ٣٠ وما بعدها، والبحر المحيط ١ / ٣٥١ - ٣٥٢، والمستصفى ١ / ٨٤، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ٢ / ٣.
(٢) البحر المحيط ١ / ٣٥١ - ٣٥٢، والمستصفى ١ / ٨٤، والقواعد للعز بن عبد السلام ٢ / ٣.