للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ إِلاَّ بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، حَتَّى يَلْزَمَ الْخَصْمَ جَوَابُ الْوَكِيلِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّل مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ مُحَاكَمَةِ الْوَكِيل إِذَا كَانَ الْمُوَكِّل حَاضِرًا، لأَِنَّ حُضُورَ الْمُوَكِّل مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَمُخَاصَمَتَهُ حَقٌّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ خَصْمِهِ كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ.

وَوَجْهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الدَّعْوَى الصَّادِقَةُ، وَالإِْنْكَارُ الصَّادِقُ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي خَبَرٌ يَحْتَمِل الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالسَّهْوَ وَالْغَلَطَ، وَكَذَا إِنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلاَ يَزْدَادُ الاِحْتِمَال فِي خَبَرِهِ بِمُعَارَضَةِ خَبَرِ الْمُدَّعِي، فَلَمْ يَكُنْ كُل ذَلِكَ حَقًّا فَكَانَ الأَْصْل أَلاَّ يَلْزَمَ بِهِ جَوَابٌ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْجَوَابَ لِضَرُورَةِ فَصْل الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْفَسَادِ وَإِحْيَاءِ الْحُقُوقِ الْمَيِّتَةِ، وَحَقُّ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِجَوَابِ الْمُوَكِّل فَلاَ تَلْزَمُ الْخُصُومَةُ عَنْ جَوَابِ الْوَكِيل مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، مَعَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْخُصُومَاتِ عَلَى التَّفَاوُتِ، بَعْضُهُمْ أَشَدُّ خُصُومَةً مِنَ الآْخَرِ، فَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَكِيل أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ فَيَعْجِزُ مَنْ يُخَاصِمُهُ عَنْ إِحْيَاءِ حَقِّهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، فَيُشْتَرَطُ رِضَاءُ الْخَصْمِ لِيَكُونَ لُزُومُ الضَّرَرِ مُضَافًا إِلَى الْتِزَامِهِ، أَمَّا إِذَا