للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْغَزَالِيِّ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا، مِنْ أَنَّ الْمَصِيرَ إِِلَى التَّعَبُّدِ نَوْعُ ضَرُورَةٍ يُرْجَعُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ (١) .

وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي اعْتِبَارِ بَعْضِ الأَْحْكَامِ تَعَبُّدِيًّا أَوْ مَعْقُول الْمَعْنَى، فَمَا يَرَاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَعَبُّدِيًّا قَدْ يَرَاهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ مُعَلَّلاً بِمَصَالِحَ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رِعَايَتُهَا. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ قَال: إِنَّ تَكْرَارَ السُّجُودِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، أَيْ لَمْ يُعْقَل مَعْنَاهُ، تَحْقِيقًا لِلاِبْتِلاَءِ. وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَقِيل: إِنَّهُ ثُنِّيَ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، حَيْثُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ مَرَّةً فَلَمْ يَسْجُدْ، فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ (٢) .

وَكَوْنُ طَلاَقِ الْحَائِضِ بِدْعِيًّا، قِيل: هُوَ تَعَبُّدِيٌّ. قَال الدَّرْدِيرُ: وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِتَطْوِيل الْعِدَّةِ؛ لأَِنَّ أَوَّلَهَا مِنَ الطُّهْرِ بَعْدَ الْحَيْضِ (٣) .

وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ يُمَثِّل بِهَا الْفُقَهَاءُ لِغَيْرِ الْمَعْقُول الْمَعْنَى، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْغَزَالِيِّ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يُعَلِّلُونَهُ وَأَمْثَالَهُ مِمَّا وُضِعَ مِنَ الْمَنَاسِكِ عَلَى هَيْئَةِ أَعْمَال بَعْضِ الصَّالِحِينَ، كَالسَّعْيِ الَّذِي جُعِل عَلَى هَيْئَةِ سَعْيِ أُمِّ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَهُمَا. يَقُول تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ


(١) شفاء الغليل ص ٢٠٠.
(٢) الدر وحاشية ابن عابدين ١ / ٣٠٠.
(٣) الشرح الصغير على مختصر خليل ٢ / ٥٣٩. القاهرة، ط. دار المعارف.