للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَذَكُّرُ الْوَقَائِعِ الْمَاضِيَةِ لِلسَّلَفِ الْكِرَامِ، وَفِي طَيِّ تَذَكُّرِهَا مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ، إِذْ يَتَبَيَّنُ فِي أَثْنَاءِ كَثِيرٍ مِنْهَا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنِ امْتِثَال أَمْرِ اللَّهِ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِ، وَبَذْل الأَْنْفُسِ فِي ذَلِكَ. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَْعْمَال الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْحَجِّ، وَيُقَال بِأَنَّهَا (تَعَبُّدٌ) لَيْسَتْ كَمَا قِيل. أَلاَ تَرَى أَنَّا إِِذَا فَعَلْنَاهَا وَتَذَكَّرْنَا أَسْبَابَهَا حَصَل لَنَا مِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُ الأَْوَّلِينَ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنِ احْتِمَال الْمَشَاقِّ فِي امْتِثَال أَمْرِ اللَّهِ، فَكَانَ هَذَا التَّذَكُّرُ بَاعِثًا لَنَا عَلَى مِثْل ذَلِكَ، وَمُقَرِّرًا فِي أَنْفُسِنَا تَعْظِيمَ الأَْوَّلِينَ، وَذَلِكَ مَعْنًى مَعْقُولٌ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اقْتِدَاءٌ بِفِعْل هَاجَرَ، وَأَنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ اقْتِدَاءٌ بِفِعْل إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ رَمَى إِبْلِيسَ بِالْجِمَارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (١) .

وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلاَمِ الْمُوَقِّعِينَ، سَيْرًا عَلَى خُطَى شَيْخِهِ شَيْخِ الإِِْسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رَأَى كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَرَدَّ كُل مَا قِيل فِيهِ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، كَفَرْضِ الصَّاعِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ الْمَرْدُودَةِ عَلَى بَائِعِهَا، وَمَا قِيل مِنْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَاتِ، كَأَمْرِهَا بِالْغُسْل مِنْ بَوْل الْجَارِيَةِ وَبِالنَّضْحِ مِنْ بَوْل الصَّبِيِّ، وَسَوَّتْ بَيْنَ الْمُفْتَرِقَاتِ، كَتَسْوِيَتِهَا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ. فَعَلَّل كُل


(١) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد ٢ / ٧٥.