للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاِسْتِعَاذَةِ، وَهُوَ الاِسْتِعَانَةُ، فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمَا يَشْتَمِل عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِْنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَاتُ، فَأَخَذَ بِهَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهَا (١) .

وَهَذَا لاَ يَدُل عَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّعَوُّذِ بِغَيْرِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، بَل يَدُل عَلَى الأَْوْلَوِيَّةِ، وَلاَ سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ التَّعَوُّذِ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا اجْتَزَأَ بِهِمَا لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِ الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ كُل مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً.

ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَئِذٍ: لاَ يَلْزَمُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ أَنْ يُشْرَعَ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ فِي الْمُعَوِّذَاتِ سِرٌّ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ مَا عَدَا الْمُعَوِّذَاتِ، لَكِنْ ثَبَتَتِ الرُّقْيَةُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَدَل عَلَى أَنْ لاَ اخْتِصَاصَ لِلْمُعَوِّذَاتِ، وَفِي الْفَاتِحَةِ مِنْ مَعْنَى الاِسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ الاِسْتِعَانَةُ بِهِ، فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ اسْتِعَاذَةٌ أَوِ اسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ - أَوْ مَا يُعْطِي مَعْنَى ذَلِكَ - فَالاِسْتِرْقَاءُ بِهِ مَشْرُوعٌ. وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْكَلاَمِ غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَل أَنْ


(١) حديث أبي سعيد رضي الله عنه: كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان. . " أخرجه الترمذي (٤ / ٣٩٥ ط الحلبي) وحسنه.