للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا. فَقِيل: إِذَا وُجِدَ سَبَبُهَا وَتَحَقَّقَ شَرْطُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ، لأَِنَّ إنْقَاذَ النَّفْسِ مِنَ الْهَلَكَةِ أَوِ الإِْيذَاءِ الْعَظِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِهَا فِي تَقْدِيرِ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (١)

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الأَْوْلَى لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ بِظَاهِرِهِ، كَمَا هُوَ عَلَيْهِ بِبَاطِنِهِ (٢) .

وَقَدْ يَكُونُ الثَّبَاتُ أَفْضَل وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَمَثُوبَةً وَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا، وَثَبَتَ هَذَا بِالأَْدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمِنَ الْكِتَابِ مَا فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ، فَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى عَذَابِ الْحَرِيقِ فِي الأُْخْدُودِ، وَاخْتَارُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا الرُّجُوعَ عَنْ دِينِهِمْ. وَثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الثَّبَاتِ يَدُل عَلَى تَفْضِيل مَوْقِفِهِمْ عَلَى مَوْقِفِ الْعَمَل بِالتَّقِيَّةِ فِي قَضِيَّةِ إظْهَارِ الْكُفْرِ.

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (٣) .


(١) سورة النساء / ٢٩.
(٢) تفسير القرطبي ٤ / ٥٧.
(٣) سورة العنكبوت / ٢، ٣.