للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقِيل حَرَامٌ، وَقِيل مَكْرُوهٌ. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنَّ قَدْرَ الشِّبَعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ وَالأَْزْمَانِ وَالأَْسْنَانِ (الأَْعْمَارِ) وَالطُّعْمَانِ. ثُمَّ قِيل: فِي قِلَّةِ الأَْكْل مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّجُل أَصَحّ جِسْمًا، وَأَجْوَد حِفْظًا، وَأَزْكَى فَهْمًا، وَأَقَل نَوْمًا، وَأَخَفّ نَفْسًا. وَالْكَثْرَةُ فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ تُثْقِل الْمَعِدَةَ، وَتُثْبِطُ الإِْنْسَانَ عَنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ، وَالأَْخْذِ بِحَظِّهِ مِنْ نَوَافِل الْخَيْرِ. فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِمَّا يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، رَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: أَكَلْتُ ثَرِيدًا بِلَحْمٍ سَمِينٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَتَجَشَّأُ، فَقَال: اُكْفُفْ عَلَيْكَ مِنْ جُشَائِكَ أَبَا جُحَيْفَةَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُوعًا (١) فَمَا أَكَل أَبُو جُحَيْفَةَ بِمِلْءِ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَكَانَ إِذَا تَغَدَّى لاَ يَتَعَشَّى، وَإِذَا تَعَشَّى لاَ يَتَغَدَّى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: الْكَافِرُ يَأْكُل فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِدٍ (٢) .


(١) حديث: " كف من جشائك فإن أكثر الناس في الدنيا شبعا أكثرها يوم القيامة جوعا " أخرجه الحاكم (٤ / ١٢١ ط دار الكتاب العربي) ، تكلم الذهبي في اثنين من رواته بأن أحدهما كذاب والآخر هالك.
(٢) حديث: " الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحدة " أخرجه مسلم (٣ / ١٦٣١ ط عيسى البابي) .