للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُهِّل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (١) فَالأَْصْل فِي الْمَطْعُومَاتِ وَنَحْوِهَا الإِْبَاحَةُ، وَالتَّحْرِيمُ اسْتِثْنَاءٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ مَا يَشُقُّ الاِمْتِنَاعُ عَنْهُ كَالْمَاءِ أَوِ الْهَوَاءِ أَوِ اللِّبَاسِ أَوِ الْمَسْكَنِ. وَإِنَّمَا انْصَبَّ التَّحْرِيمُ عَلَى أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا لاَ يَشُقُّ تَرْكُهُ. وَتِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ إِنَّمَا حَرَّمَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الأَْضْرَارِ عَلَى صِحَّةِ الإِْنْسَانِ، أَوْ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ كَمَا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ إِلاَّ شَيْئًا مُتَمَحِّضًا لِلضَّرَرِ، أَوْ ضَرَرُهُ أَغْلَبُ مِنْ نَفْعِهِ. وَهَذَا الَّذِي قَدْ يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ يَكُونُ فِي الْحَلاَل عِوَضٌ عَنْهُ. ثُمَّ إِن اُضْطُرَّ الإِْنْسَانُ إِلَى الْمُحَرَّمِ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الشُّعْبَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا الْفَرَائِضُ وَالْوَاجِبَاتُ فَلَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَلاَ تَرَكَ الْعِبَادَ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ، بَل كَانَتِ الشَّرِيعَةُ فِي هَذَا الأَْمْرِ جَارِيَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ الأَْعْدَل: لاَ تَمِيل إِلَى فَرْضِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ تَبْهَظُ الْمُكَلَّفَ أَوْ تُقْعِدُهُ عَنِ الْعَمَل فِي الْحَال أَوِ الْمَآل، أَوْ تُدْخِل عَلَيْهِ الْخَلَل فِي نَفْسِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ مَالِهِ.

وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: مَا تَرَكَتِ الشَّرِيعَةُ الإِْنْسَانَ دُونَ تَكْلِيفٍ يَحْصُل بِهِ الاِبْتِلاَءُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا وَلَمْ يُتْرَكْ سُدًى، بَل كَلَّفَتْهُ بِتَكَالِيفَ تَقْتَضِي فِيهِ غَايَةَ التَّوَسُّطِ وَالاِعْتِدَال، كَتَكَالِيفِ الصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ (٢) .


(١) سورة النحل / ١١٥.
(٢) الموافقات للشاطبي ٢ / ١٦٣.