للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا لاَ يُنَاقِضُ الْيُسْرَ، فَإِنَّ الْيُسْرَ يُنَاقِضُهُ الْعُسْرُ، أَمَّا الْوَسَطُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْيُسْرِ؛ إِذْ لاَ عُسْرَ فِيهِ.

وَالْوَسَطُ - كَمَا قَال الشَّاطِبِيُّ - هُوَ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ، فَهِيَ وَسَطٌ بَيْنَ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ.

فَمُعْظَمُهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَسُّطِ، لاَ عَلَى مُطْلَقِ التَّخْفِيفِ وَلاَ عَلَى مُطْلَقِ التَّشْدِيدِ (١) .

فَالصَّلاَةُ مَثَلاً: خَمْسُ مَرَّاتٍ كُل يَوْمٍ، كُل صَلاَةٍ مِنْهَا رَكَعَاتٌ مَعْدُودَةٌ، لاَ تَتَضَمَّنُ فِعْلاً شَاقًّا، بَل مَا فِيهَا مِنَ الْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالأَْذْكَارِ كُلُّهَا أُمُورٌ مُيَسَّرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَفْتَرِضْ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا إِلاَّ الْقَلِيل، وَلاَ مِنَ الأَْذْكَارِ إِلاَّ الْقَلِيل، وَتَعَلُّمُهَا وَحِفْظُهَا أَمْرٌ مَيْسُورٌ. وَلَكِنْ قَدْ تَأْتِي الْمَشَقَّةُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى إِقَامَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَْمْثَل وَمِنْ جِهَةِ الاِسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهَا، مَعَ مُخَالَفَتِهَا فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ لِرَاحَةِ الْبَدَنِ؛ وَلِلاِنْطِلاَقِ مَعَ الأَْعْمَال وَهَوَى النُّفُوسِ، لَكِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ أَهْل التَّقْوَى. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (٢) .

وَالزَّكَاةُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ تُفْرَضُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ مَرَّةً كُل عَامٍ، وَذَلِكَ مَيْسُورٌ غَيْرُ مَعْسُورٍ، وَلَمْ


(١) الموافقات ٤ / ٢٥٩، ٢٦٠.
(٢) سورة البقرة / ٤٥.