للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَخْصٍ آخَرَ، أَيْ أَنْ يَتِمَّ فِي ظِل إِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الرِّضَا مَعْدُومًا (١) .

فَالإِْكْرَاهُ فِي نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يُنَافِي الاِخْتِيَارَ حَيْثُ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ الإِْكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، وَيَكُونُ فَاسِدًا مَعَ الإِْكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَلَكِنَّ الإِْكْرَاهَ بِقِسْمَيْهِ يُنَافِي الرِّضَا (٢) .

٩ - وَهَذِهِ الأَْقْسَامُ الثَّلاَثَةُ لَهَا عَلاَقَةٌ - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ - بِتَقْسِيمِهِمُ الْعُقُودَ إِلَى الصَّحِيحِ، وَالْبَاطِل، وَالْفَاسِدِ.

وَتَتَلَخَّصُ وِجْهَةُ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ فِي أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِكُلٍّ مِنْ الاِخْتِيَارِ وَالرِّضَا مُخْتَلِفٌ، فَالرِّضَا هُوَ ضِدُّ السَّخَطِ، وَسُرُورُ الْقَلْبِ وَارْتِيَاحُ النَّفْسِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ آثَارُهُ عَلَى الْوَجْهِ، وَأَمَّا الاِخْتِيَارُ فَلاَ تُلاَحِظُ فِيهِ هَذِهِ الْمَعَانِيَ، بِالإِْضَافَةِ إِلَى أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ، حَيْثُ اشْتَرَطَ الرِّضَا فِي الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ، فَقَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ


(١) المصادر السابقة.
(٢) يقول أبو زيد الدبوسي في تقديم الأدلة / مخطوطة دار الكتب المصرية رقم ٢٥٥ أصول الفقه ص ٩١٠: " المكره مختار لما فعله قاصدًا إياه؛ لأنه عرف الشرين فاختار أهونهما عليه عن علم وقصد، إلا أنه قصد فاسد؛ لأنه قصد لا عن رضا به، بل لدفع الشر عن نفسه "، وقال البزدوي في أصوله بهامش كشف الأسرار / ٣٨٣: " الإكراه لا ينافي الاختيار، ولذلك كان مخاطبًا في عين ما أكره عليه ".