للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عدم غرقه، وفي سيره إلى البلاد الشاسعة والأقطار البعيدة، وفي كون سيره ذهابًا وإيابًا تارة بريحين، وتارة بريح واحدة، وفي إنجاء أبيه نوح عليه السلام ومن أراد الله تعالى من خلقه، وإغراق غيرهم من جميع أهل الأرض، وفي غير ذلك من شؤونه وأموره. اهـ. "خطيب".

وهما صفتا المؤمن، فكأنه قيل: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن؛ أي: إن فيما ذكر لدلائل واضحات لكل صبار في الضراء، شكور في الرخاء. قال الشعبي: الصبر نصف الإيمان, والشكر: نصف الإيمان, واليقين: الإيمان كله، ألم تر إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر".

٣٢ - ثم بين أن المشركين ينسون الله تعالى في السراء، ويلجؤون إليه حين الضراء، فقال: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ} يقال: غشيه: إذا ستره وعلاه، والضمير لمن ركب البحر مطلقًا، أو لأهل الكفر، ففيه التفات من ضمير الخطاب في {لِيُرِيَكُمْ} إلى ضمير الغيبة في {غَشِيَهُمْ}؛ أي: وإذا علاهم وأحاط بهم {موج}: هو ما ارتفع من الماء {كَالظُّلَلِ}؛ أي: كالجبال، أو كالسحاب في الارتفاع.

وقرأ محمد بن الحنفية: {كالظلال}: جمع ظله، كقلال وقلة، شبه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما، وإنما شبه (١) الموج وهو مفرد بالظلل وهي جمع؛ لأن الموج يأتي شيئًا بعد شيء، ويركب بعضه بعضًا، وقيل: إن الموج في معنى الجمع؛ لأنه مصدر، وأصل الموج الحركة والازدحام، ومنه يقال: ماج الماء: إذا تحرك، وماج الناس: إذا ازدحموا.

{دَعَوُا اللَّهَ} وحده حال كونهم {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}؛ أي: الدعاء والاستغاثة، لا يذكرون معه غيره، ولا يستغيثون بغيره، ولا يعولون على غيره في خلاصهم؛ لأنهم يعلمون أنه لا ينفع ولا يضر سواه، لزوال ما ينازع الفطرة من


(١) الشوكاني.