أناخ بكم الشرف الجون، الفتن كأمثال الليل المظلم"، الشرف بضمتين جمع شارف، وهي الناقة الكبيرة السن، والجون السود.
٨٣ - ثم بين ما يجب أن يعاملوا به في الدنيا قبل الآخرة، مما يقتضي تركهم الفرح، والغبطة في دنياهم بالتمتع بأحكام الإِسلام فقال:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى يا محمَّد، من غزوة تبوك، وردَّك من سفرك هذا، والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها {إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُم}؛ أي: إلى طائفة من المنافقين المتخلفين عنك في المدينة، وإنما قال إلى طائفة منهم؛ لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين، بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين، الذين لهم أعذار صحيحة، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له، ثم عفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتاب الله عليهم، كالثلاثة الذين خلفوا، وسيأتي بيان ذلك، وقيل: إنما قال: إلى طائفة؛ لأن منهم من تاب عن النفاق، وندم على التخلف.
{فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة تبوك؛ أي: ليخرجوا معك في غزوة أو غيرها، مما تخرج لأجله {فَقُلْ} لهم يا محمَّد إخراجًا لهم عن ديوان الغزاة، وإبعادًا لمحلهم عن محفل صحبتك {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} في سفر من الأسفار، ولن يكون لكم أبدًا شرف الصحبة بالخروج معي للجهاد في سبيل الله تعالى، ما دمت ودمتم {وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} من الأعداء لا بالخروج والسفر إليهم ولا بغير ذلك، كأن يهاجم المؤمنون في عقر دارهم، كما حدث يوم وقعة الأحزاب.
وقرىء (١): {معي} في الموضعين بفتح الياء، وقرىء: بسكونها فيهما، ثم بين سبب النهي عن صحبتهم فقال:{إِنَّكُمْ} أيها المتخلفون {رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ} عن الغزو {أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهي غزوة تبوك {فَاقْعُدُوا} عن الجهاد {الْخَالِفِينَ}؛ أي: مع النساء والصبيان والرجال العاجزين، كالمرضى والزمنى، الذين لا يكلفون القيام بشرف الجهاد دفاعًا عن الحق، وإعلاءً لكلمة الله تعالى، وجملة