للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حسبما يوحى إليّ، وآتيكم بالشواهد الواضحة على صدق رسالتي، ولستُ أقدر على شيء من الأعمال الخارجة عن قدرة البشر {مُبِينٌ}؛ أي: بيّن الإنذار لكم بالمعجزات الباهرة، ففيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسل مبلِّغًا وليس له من الهداية شيء، ولكن الله يهدي من يشاء.

وقرأ ابن عمير (١): {ما يوحي} بكسر الحاء؛ أي: الله عَزَّ وَجَلَّ

١٠ - {قُلْ} لهم يا محمد، {أَرَأَيْتُمْ}؛ أي: أخبروني أيها القوم {إن كَانَ} ما يوحى إليّ من القرآن في الحقيقة {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} لا سحرًا ولا مفترى كما تزعمون {وَكَفَرْتُمْ بِهِ}؛ أي: والحال أنكم قد كفرتم به، فهو (٢) حال بإضمار قد من الضمير في الخبر وسط بين أجزاء، الشرط، مسارعة إلى التسجيل عليهم بالكفر، ويجوز أن يكون عطفًا على كان كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} لكن لا على أنَّ نظمه في سلك الشرط المتردِّد بين الوقوع وعدمه عندهم، باعتبار حاله في نفسه، بل باعتبار حال المعطوف عليه عندهم، فإن كفرهم به متحقق عندهم أيضًا، وإنما تردُّدهم في أنَّ ذلك كفر بما عند الله أم لا؟ وكذا الحال، قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وما بعده من الفعلين، فإن الكل أمور متحققة عندهم، وإنما تردّدهم في أنها شهادة وإيمان بما عند الله، واستكبار منهم أم لا؟ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} عظيم الشأن {مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الواقفين على شؤون الله،، وأسرار الوحي بما أوتوا من التوراة {عَلَى مِثْلِهِ}؛ أي: على مثل القرآن من المعاني المنطوية في التوراة، المطابقة لما في القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك، فإنها عين ما فيه في الحقيقة، كما يعرب عنه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)}، وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ. وقال الجرجاني: مثل صلة؛ يعني: عليه.

والمعنى: وشهد شاهد على القرآن أنه من عند الله. وكذا قال الواحدي. و {الفاء} في قوله: {فَآمَنَ}: للدلالة على أنه سارع في الإيمان بالقرآن لما علم


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.