للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ عبد الله وعكرمة: {عذاب الهوان} بالألف وفتح الهاء. {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ}؛ أي: بسبب قولكم مفترين على الله غير الحق، كقول بعضهم: ما أنزل الله على بشر من شيء، وقول بعض آخر: أنه أوحي إليه، ولم يوح إليه شيء، وإنكار طائفة منهم لما وصف الله به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات. {وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}؛ أي: وبسبب كونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله تعالى احتقارًا لمن أكرمه الله بإظهارها على يديه ولسانه.

ومعنى الآية: ولو ترى (١) يا محمَّد الظالمين وقت كونهم في شدائد الموت في الدنيا، والملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم، قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، هذا الوقت تجزون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد بسبب الافتراء على الله، والتكبر عن آيات الله .. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى أنواع الشدائد والتعذيبات في الآخرة، فأدخلوا جهنم، والملائكة باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب مبكتين لهم، قائلين: أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد، هذا الوقت تجزون العذاب المشتمل على الإهانة بسبب كونكم قائلين قولًا غير الحق، وكونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله .. لرأيت أمرًا عظيمًا.

٩٤ - ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب، فقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئتمونا أيها الظالمون وحدانًا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال. وقرىء (٢): {فراد} بوزن ثلاث غير مصروف. وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: {فرادًا} بالتنوين، وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما: {فردى} مثل: سَكْرى كقوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى}.

{كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}؛ أي: كما أخرجناكم أول مرة من بطون أمهاتكم


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.