للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي هو الجنة {مَأْتِيًّا}؛ أي: يأتيه من وعد له لا محالة بغير خلف؛ لأن وعده تعالى لا يخلف، فالمأتي بمعنى المفعول من الإتيان؛ أي: مفعولًا أو بمعنى الفاعل؛ أي: جائيًا آتيًا ألبتة.

٦٢ - {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا}؛ أي: في تلك الجنان {لَغْوًا}؛ أي: فضول كلامٍ لا طائل تحته، وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها، وفيه تنبيه على أن اللغو مما ينبغي أن يُجتنب عنه في هذه الدار ما أمكن {إِلَّا سَلَامًا} استثناء منقطع؛ أي: لكن يسمعون تسليم الملائكة، أو تسليم بعضهم على بعض، والمعنى: إن (١) أهل الجنة لا يسمعون ما يؤلمهم، وإنما يسمعون ما يسلمهم {وَلَهُمْ}؛ أي: ولأولئك الموصوفين بالتوبة والإيمان والعمل الصالح {رِزْقُهُمْ}؛ أي: ما يشتهون من المطاعم والمشارب {فِيهَا}؛ أي: في جنات عدن {بُكْرَةً وَعَشِيًّا}؛ أي: في قدر وقت البكرة ووقت العشي من نهار أيام الدنيا؛ أي: إن (٢) الذي بين غدائهم وعشائهم في الجنة قدر ما بين غداء أحدنا في الدنيا وعشائه، إذ لا نهار ثمة ولا ليل، بل هم في نور أبدًا، وإنما وصف الجنة بذلك لأن العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشي.

وخلاصة ذلك: أنه لا بكرة في الجنة ولا عشي، إذ لا ليل ولا نهار، وإنما يؤتون بأرزاقهم في مقدار طرفي النهار، كما كانوا في الدنيا,

٦٣ - ولما ذكر أن هذه الجنة تخالف جنات الدنيا .. ذكر الدواعي التي توجب استحقاقها فقال: {تِلْكَ الْجَنَّةُ}؛ أي: هذه الجنة التي وصفت بهذه الصفات الشريفة هي {الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}؛ أي: مجتنبًا عن الشرك والمعاصي، مطيعًا لله تعالى؛ أي: نورثها ونعطيها بغير اختيار الوارث من كان من أهل التقوى من عبادنا؛ أي: هي التي نجعلها ملكًا وميراثًا لعبادنا المتقين، الذين يطيعون الله في السر والعلن، ويحمدونه على السراء والضراء، كملك الميراث الذي هو أقوى تمليك، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: نورث من كان تقيًا من عبادنا، والمعنى (٣):


(١) الشوكاني.
(٢) المراغى.
(٣) روح البيان.