للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمال إلى جنسه؛ لأنه خلق من نار.

والمعنى (١): أي وخلقنا هذا الجنس من نار الريح الحارة، التي لها لفح وتقتل من أصابته، وعلينا أن نؤمن بأن الجن خلقت من النار، ولكنا لا نعرف كُنْهَ ذلك ولا حقيقته، فذلك ما لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحي، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {والجَأْن} بالهمز، ذكره في "البحر".

٢٨ - وبعد أن ذكر سبحانه خلق الإنسان الأول في معرض الاستدلال على قدرته .. ذكر ما قاله للملائكة في شأنه فقال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ}؛ أي: واذكر يا محمد لأمتك قصة {إِذْ قَالَ رَبُّكَ} {لِلْمَلَائِكَةِ} الذين كانوا (٢) في الأرض، وهم كانوا عشرة آلاف، كذا قالوا، والظاهر العموم وعدم التخصيص، لأنه تخصيص بلا مختص ولا نص {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا}؛ أي: إني أخلق آدميًّا ظاهر البشرة غير مستورها بالشعر، لأنه جسم كثيف ظاهر الجلد، والبشر مأخوذ من البشرة، وهي ظاهر الجلد، وعبر باسم الفاعل الدال على التحقيق إشعارًا بتحققه {مِنْ صَلْصَالٍ} أي من طينٍ يابسٍ مصوت عند نقره، متعلق بـ {خَالِقٌ}، أو صفة لـ {بَشَرًا}؛ أي: بشرًا كائنًا من صلصال كائن {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}؛ أي: من طين أسود منتن.

شاورهم الله سبحانه وتعالى بصورة الامتحان، ليميز الطيب؛ أي: الملك من الخبيث؛ أي: إبليس، فسلم الملك وهلك إبليس، ولذلك قيل: عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، وقيل: أخبرهم سبحانه بتكوين آدم قبل أن يخلقه، ليوطنوا أنفسهم على فناء الدنيا، وزوال ملكوتها، كما قال تعالى لآدم {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} والسكنى لا تكون إلا على وجه العارية، ليوطن نفسه على الخروج من الجنة

٢٩ - {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ}؛ أي: سويت خلقه، وعدلت صورته الإنسانية، وكملت أجزاءه. {وَنَفَخْتُ}؛ أي: وأجريت وأدخلت {فِيهِ}؛ أي: في ذلك الإنسان المسوى {مِنْ رُوحِي} {مِنْ} زائدة؛ أي: نفخت فيه روحي، أو


(١) المراغي.
(٢) تنوير المقباس.