للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صيح به، وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة.

والمعنى (١): أن هذا العذاب إنما نالهم من جراء أنهم كانوا لا ينظرون في آيات الله، فيتفكروا فيها، ولا يتأملون حججه، فيعتبروا بها وينيبوا إلى ربهم، وينقادوا لأمره ونهيه، وكانوا لا يطيقون أن يسمعوا ذكر الله، الذي ذكرهم به، وبيانه الذي بيِّنه لهم في آي كتابه، فتغافلوا وتعاموا، وتصاموا عن قبول الهدي، واتباع الحق كما قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)} ذاك أنهم لما دنسوا أنفسهم باجتراح الذنوب والآثام، وأطاعوا وساوس الشيطان وما نصبه لهم من الحبائل .. طبع الله على قلوبهم، وجعل على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة،

١٠٢ - ثم بيَّن أن ما اعتمدوا عليه من المعبودات لا يجديهم نفعًا، فقال: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} والهمزة فيه للتوبيخ والتقريع المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، و (الفاء): عاطفة على ذلك المحذوف، والحسبان هنا بمعنى الظن، والتقدير أَكفروا بي (٢) مع جلالة شأني، فحسبوا وظنوا {أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي} من الملائكة، وعيسى وعزير، وهم تحت سلطاني وملكوتي {مِنْ دُونِي} مجاوزين إيّاي؛ أي: تاركين عبادتي {أَوْلِيَاءَ}؛ أي: معبودين ينصرونهم من بأسي، والمعنى: أظنوا أن ذلك الاتخاذ ينفعهم، أو يرفع عنهم ما يحل بهم من النكال والوبال، وخلاصة هذا: أظنوا أن ذلك الاتخاذ ينفعهم وأنه لا يغضبني؟ كلا.

وقرأ علي بن أبي طالب (٣)، وزيد بن علي بن الحسين، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، ونعيم بن ميسرة، والضحاك، وابن أبي ليلى، وابن كثير، ويعقوب بخلاف عنهما، وابن محيصن، وأبو حيوة، والشافعي، ومسعود بن صالح {أَفَحَسِبَ} بإسكان السين وضم الباء مضافًا إلى الذين؛ أي: أفكفايتهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء، على أنه مبتدأ وخبر، يريد أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.