للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للهمزة، كأن المستفهم يدعي ثبوت أحد الأمرين عندهم، ويطلب تعيينه منهم قائلًا: أي هذين الأمرين تدعونه، اهـ «زاده».

والمعنى على الأول: أي بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق، وأبعدهم من صفات الأجسام ورذائل الطبائع إناثًا، والأنوثة من أخس صفات الحيوان. ولو قيل لأدناهم: فيك أنوثة لتمزقت نفسه من الغيظ لقائله، ففي جعلهم الملائكة إناثًا استهانة شديدة بهم.

أي: كيف جعلوهم إناثًا وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم. وهذا كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}. فبيّن سبحانه، أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة، ولم يشهدوا، ولا دل دليل على قولهم من السمع، ولا هو مما يدرك بالعقل، حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم.

وهذا (١) ترق في التوبيخ لهم على هذه المقالة، إذ أن ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة أو النقل، ولا سبيل إلى معرفته بالعقل حتى يقوم الدليل، والبرهان على صحته، والنقل الصحيح الذي يؤيد ما تدعون لا يوجد، فلم تبق إلا المشاهدة، وهذه لم تحصل.

١٥١ - ثم بيّن فساد منشأ هذه العقيدة الزائفة، فقال: {أَلا} حرف تنبيه {إِنَّهُمْ}؛ أي: إن هؤلاء المشركين {مِنْ إِفْكِهِمْ}، أي: من أجل كذبهم الأسوأ. وهو متعلق بقوله: {لَيَقُولُونَ}

١٥٢ - {وَلَدَ اللَّهُ}: فعل، وفاعل. {وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} فيما يتدينون به من قولهم: ذلك كذبًا بيّنًا لا ريب فيه. قرأ الجمهور: {وَلَدَ اللَّهُ} فعلًا ماضيًا، مسندًا إلى الله سبحانه. وقرىء (٢) بإضافة {وَلَدَ} إلى {اللَّهُ} على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: يقولون الملائكة ولد الله. وولد فعل بمعنى مفعول، يستوي فيه الواحد، والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث، والقليل والكثير. وفيه (٣) تجسيم له تعالى، وتجويز الفناء عليه؛ لأن الولادة مختصة بالأجسام القابلة للكون


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.