وقوله:{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} معطوف على {قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} والتعبير فيه بالمضارع لحكاية الحال الماضية أيضًا؛ أي: ويطلب جماعة منهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - الإذن في الرجوع إلى بيوتهم، وتركهم للقتال، معتذرين بمختلف المعاذير، وجملة قوله:{يَقُولُونَ}: بدل من قوله: {يستأذن} أو حال، أو مستأنف جوابًا لسؤال مقدر، والقول الذي قالوه هو قولهم:{إِنَّ بُيُوتَنَا} ومنازلنا في المدينة {عَوْرَةٌ}؛ أي: غير حصينة، وغير محرزة لما فيها, لأنها قصيرة الحيطان، وفي أطراف المدينة، فيخشى عليها من السراق، وأصل العورة في اللغة: الخلل في البناء ونحوه، بحيث يمكن دخول السارق فيها، كما سيأتي.
والمعنى: أنها غير حصينة متخرقة، ممكنة لمن أرادها، فأذن لنا حتى نحصنها ثم نرجع إلى العسكر، وكان عليه السلام يأذن لهم، وفي الحقيقة أنهم كاذبون فيما يقولون، وهم مضمرون غير ذلك، ثم رد الله عليهم بقوله:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}؛ أي: والحال أن بيوتهم ليست بضائعةٍ، يخشى عليها السراق، بل هي حصينة محرزة.
وقرأ ابن عباس وابن يعمر وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعكرمة ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة، وأبو طالوت وابن مقسم وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير:{عورة}{بعورة} بكسر الواو فيهما؛ أي: قصيرة الجدران، والجمهور: بإسكانها فيهما، أطلقت على المختل مبالغةً.
ثم بيّن سبب استئذانهم وما يريدونه به، فقال:{إِنْ يُرِيدُونَ}؛ أي: ما يريدون بالاستئذان {إِلَّا فِرَارًا} وهربًا من القتال، وعدم مساعدة عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو فرارًا من الدين والإِسلام.
١٤ - ثم بيّن وهن الدين وضعفه في قلوبهم إذ ذاك، وأنه معلق بخيط دقيق، ينقطع بأدنى هزةٍ، فقال:{وَلَوْ دُخِلَتْ} بيوتهم أو المدينة، أسند الدخول إلى بيوتهم، وأوقع عليهم، لما أن المراد فرص دخولها وهم فيها, لا فرص دخولها مطلقًا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور.
{مِنْ أَقْطَارِهَا}؛ أي: من جميع جوانبها, لا من بعضها دون بعض؛ أي: