وهدموه وتفرق عنه أهله، وأمر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أن يتخذ ذلك الموضع كناسة، تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة، ومات أبو عامر الراهب بالشام غريبًا وحيدًا.
وروي أن بني ابن عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء، أتوا عمر بن الخطاب في خلافته، فسألوه أن يأذن لمجمع بن جارية أن يؤمهم في مسجدهم، فقال لا ونعمة عين، أليس هو إمام مسجد الضرار. قال مجمع: يا أمير المؤمنين! لا تعجل عليَّ، فوالله لقد صليت فيه، وأنا لا أعلم ما أضمروا عليه، ولو علمت ما صليت معهم فيه، وكنت غلامًا قارئًا للقرآن، وكانوا شيوخًا لا يقرؤون، فصليت بهم ولا أحسب إلا أنهم يتقربون إلى الله، ولم أعلم ما في أنفسهم، فعذره عمر، فصدقه وأمره بالصلاة في مسجد قباء. قال عطاء: لما فتح الله على عمر بن الخطاب الأمصار، أمر المسلمين أن يبنوا المساجد، وأمرهم أن لا يبنوا في موضع واحد مسجدين يضار أحدهما الآخر.
١٠٨ - وقوله سبحانه {لَا تَقُمْ} يا محمَّد {فِيهِ} أي: في هذا المسجد الذي بني للضرار، {أَبَدًا} للصلاة فيه قال ابن عباس، معناه: لا تصل فيه أبدًا، منع الله عَزَّ وَجَلَّ نبيه، - صلى الله عليه وسلم -، أن يصلي في مسجد الضرار. واللام في قوله:{لَمَسْجِدٌ} لام الابتداء، وقيل لام القسم، تقديره: والله مسجد أسس على التقوى وهو مسجد قباء؛ أي: لمسجد {أُسِّسَ}؛ أي: وضع أساسه وبني أصله، {عَلَى التَّقْوَى}؛ أي: على تقوى الله عزَّ وجلّ وطاعته {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} بني ووضع أساسه، كان ذلك البناء على التقوى، وهو مسجد قباء، أسسه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وصلى فيه أيام مقامه بقباء، وهو يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وخرج منه صبيحة يوم الجمعة، وهو أوفق للقصة، أو هو مسجد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لقول أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - سألت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عنه، فقال: هو مسجدكم هذا، مسجد المدينة أخرجه مسلم.
{أَحَقُّ} وأولى، {أَنْ تَقُومَ} وتصلي يا محمَّد، {فِيهِ}؛ أي: في ذلك المسجد الذي أسس على التقوى، من الصلاة في مسجد الضرار الذي يدعوك المنافقون إلى الصلاة فيه.