بذلك النفخ المسيح في بطنها. وقال السهيلي:"النفخ في روح القدس بأمر القدوس، فأضاف القدس إلى القدوس، ونزه المقدسة عن الظن الكاذب والحدس. وقيل: المعنى فنفخنا فيها بعض روحنا؛ أي: بعض الأرواح المخلوقة لنا، وذلك البعض هو روح عيسى؛ لأنها وصلت في الهواء، الذي نفخه إلى درعها. وقد سبقت قصة النفخ في سورة مريم. ومعنى "أحصنت" عفت، فامتنعت من الفاحشة وغيرها. وقيل: المراد بالفرج حبيب القميص؛ أي: أنها طاهرة الأثواب.
{وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا} أي: جعلنا حالهما وشأنهما {آيَةً} عظيمة {لِلْعَالَمِينَ} وعلامة دالة على القدرة الكاملة، لأهل زمانهما، ولمن بعدهما، فإن من تأمل في ظهور ولد، من بتول عذراء، من غير فحل، تحقق كمال قدرته تعالى. ولم يقل: "آيتَيْ"؛ لأنها قصة واحدة، وهي ولادتها له من غير ذكر، ولكل واحد منهما آيات مستقلة متكاثرة، كما أشير إلى بعض منها في القرآن، وإلى بعض آخر في التفاسير وكتب القصص، أما آيات مريم فمنها: ظهور الحمل من غير ذكر. ومنها: أن الملائكة كانت تأتيها برزقها، كما حكى القرآن قول زكريا لها وردها عليه:{يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}. وأما آيات عيسى فقد سبق تفصيلها في سورتي آل عمران ومريم.
٩٢ - ثم لمَّا ذكر سبحانه الأنبياء، بيَّن أنهم كلَّهم مجتمعون على التوحيد فقال:{إِنَّ هَذِهِ} الملة التي هي ملة الإسلام والتوحيد المذكورة في كتابكم {أُمَّتُكُمْ}؛ أي: ملتكم وطريقتكم التي يجب أن تكونوا عليها، لا تنحرفون عنها. والظاهر أن قوله:{أُمَّتُكُمْ} خطاب لمعاصري الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حالة كونها {أُمَّةً وَاحِدَةً}؛ أي: ملة واحدة متفقة، لا يخرج عنها إلّا المشركون بالله؛ أي: إن هذه الشريعة المنزلة على محمد - صلى الله عليه وسلم -، شريعتكم، أيها الناس، التي يجب أن تحافظوا على حدودها، وتراعوا حقوقها، ولا تخلوا بشيء منها، حالة كونها شريعة واحدة، غير مختلفة فيما بين الأنبياء، فإنهم متفقون في الأصول، وإن كانوا مختلفين في الفروع، بحسب اختلاف الأمم والأزمنة والأمكنة.