للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التنازع والقول بالرأي، بالنظر إلى مصالحكم الدينية والدنيوية {وَأَحْسَنُ} لكم {تَأوِيلًا}؛ أي: مالًا وعاقبة ومرجعًا وأجرًا في الآخرة؛ لأنه أقوى الأسس في حكومتكم، والله أعلم منكم بما هو الخير لكم، ومن ثم لم يشرع لكم في كتابه وعلى لسان رسوله إلا ما فيه مصالحكم ومنافعكم، وما هو أحسن عاقبة؛ لما فيه من قطع عرق التنازع وسد ذرائع الفتن.

٦٠ - والاستفهام في قوله: {أَلَمْ تَرَ} استفهام تعجيب للمخاطب؛ أي: ألم تنظر يا محمد أو أيها المخاطب {إِلَى} عجيب أمر هؤلاء {الَّذِينَ يَزْعُمُونَ}؛ أي: يدعون ويقولون بأفواههم قولًا كذبًا؛ لأن الزعم مطية الكذب، {أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} من "القرآن" {و} بـ {مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} على الأنبياء من "التوراة" و"الإنجيل"، ومع ذلك الزعم {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا} ويترافعوا {إِلَى الطَّاغُوتِ}؛ أي: إلى الشخص الكثير الطغيان، الذي هو أبو برزة الأسلمي، أو كعب بن الأشرف، على الخلاف في سبب نزولها طلبًا للحكم منه {و} الحال أنهم {قد أمروا} في "القرآن" {أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}؛ أي: بالطاغوت قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقال أيضًا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.

والمعنى: انظر أيها المخاطب إلى عجيب أمر هؤلاء الذين يزعمون الإيمان بك وبمن قبلك من الرسل، ويأتون بما ينافي الإيمان، إذ الإيمان الصحيح بكتب الله ورسله يقتضي العمل بما شرعه الله تعالى على ألسنة أولئك الرسل، وترك العمل مع الاستطاعة دليل على أن الإيمان غير راسخ في نفس مدعيه، فكيف إذا عمل بضد ما شرعه الله، فهؤلاء المنافقون إذا هربوا من التحاكم إليك، وقبلوا التحاكم إلى مصدر الطغيان والضلال، من أولئك الكهنة والمشعوذين (١)، سواء أكان أبا برزة الأسلمي أم كعب بن الأشرف .. فحالهم هذا دليل على أن الإيمان ليس له أثر في نفوسهم، بل هي كلمات يقولونها بأفواههم، لا تعبر عما تلجلج


(١) المشعوذين: من الشعوذة، وهي خفة في اليد وأعمال كالسحر، تري الشيء للعين على غير ما هو عليه اهـ.