للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المذموم، وقد يكون طلب العلاء؛ أي: الرفعة، والآية تحتمل الأمرين.

٦٥ - وجملة قوله: {قَالُوا}، أي: السحرة بعد إجماعهم وإتيانهم الموعد، واصطفافهم فيه: {يَا مُوسَى} اختر: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} ما تلقيه من العصا أولًا، {وَإِمَّا أَنْ نَكُون} نحن {أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} ما يلقيه من العصي والحبال، مستأنفة استئنافًا بيانيًا واقعًا في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا فعلوا بعدما قالوا فيما بينهم ما قالوا؟ فقيل: قالوا: يا موسى {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ...} إلخ وكانت السحرة معهم عصي، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون، فلما أراد السحرة معارضته .. قالوا له هذا القول. و {أَنْ} مع ما في حيزها: في محل نصب بفعل مضمر، تقديره: اختر إلقاءك أولًا، أو إلقاءنا، أو في محل رفع على أنها وما بعدها خبر مبتدإٍ محذوف، تقديره: الأمر إما إلقاؤك أو إلقاؤُنا.

وهذا التخيير منهم حسن أدب معه (١)، وتواضع منهم، وتنبيه إلى إعطائه النصفة من أنفسهم، وكأن الله ألهمهم ذلك، وعلَّم موسى أن من الخير له اختيار إلقائهم أولًا؛ لأنهم إذا أبرزوا ما معهم من مكايد السحر، واستنفذوا أقصى مجهودهم .. أظهر الله سلطانه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلَّط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آيةً نيرةً للناظرين، وعبرةً بينةً للمعتبرين، ومن ثم حكى عنه {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} وفي هذا التخيير إشارة إلى أن السحرة لما أعزوا موسى - عليه السلام - بالتقديم والتخيير في الإلقاء .. أعزهم الله بالإيمان الحقيقي، حتى رأوا بنور الإيمان معجزة موسى، فآمنوا به تحقيقًا لا تقليدًا.

٦٦ - ثم إن موسى (٢) - عليه السلام - قابل أدبهم بأدبٍ أحسن من أدبهم، حيث بت القول بإلقائهم أولًا؛ لأنه فهم أنَّ مرادهم الابتداء فـ {قَالَ} لهم موسى لا ألقي أنا أولًا {بَلْ أَلْقُوا} أنتم أولًا إن كنتم محقيق، لنرى ما تصنعون من السحر، ويظهر للناس حقيقة أمركم، وحين ألقوا {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} وإنما أمرهم بالإلقاء أولًا لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم، ثم يلقي هو


(١) المراغي.
(٢) المراح.