قيل: هو تكرير لقوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} للتأكيد. وقيل: الأول عذاب القبر، وهذا عذاب الآخرة. ولا وجه للقول بالتكرار، فإن العذاب الموصوف بالإهانة غير العذاب الموصوف بالشدة.
والمعنى (١): أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وتستروا بالأيمان الكاذبة. فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم أنهم صادقون، وبهذه الوسيلة صدوا كثيرًا من الناس عن سبيل الله، وبتثبيط من لقوا عن الدخول في الإِسلام، بتحقير شأنه في نظرهم. ثم بيّن ما كافأهم به على عملهم فقال:{فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}؛ أي: عذاب يلحقهم به الذل والهوان في النار، جزاء ما امتهنوا اسمه الكريم بالحلف به كذبًا.
١٧ - ثم أرشد إلى أنّ ما ظنوه منجيًا لهم من عذاب الله من المال والأولاد ليس بنافع لهم حينئذٍ، فقال:{لَنْ تُغْنِيَ} ولن تدفع {عَنْهُمْ}؛ أي: عن هؤلاء المنافقين {أَمْوَالُهُمْ} الكثيرة {وَلَا أَوْلَادُهُمْ} العديدة {مِنَ اللَّهِ}؛ أي: من عذاب الله سبحانه يوم القيامة {شَيْئًا} قليلًا من الإغناء والدفع. يقال: أغنى عنه كذا إذا كفاه، يعني: أنهم يحلفون كاذبين للوقاية المذكورة، ولا تنفعهم إذا دخلوا النار أموالهم ولا أولادهم التي صانوها وافتخروا بها في الدنيا. أو يقولون: إن كان ما يقول محمد حقًا .. لندفعنّ العذاب عن أنفسنا بأموالنا وأولادنا. فأكذبهم الله تعالى بهذه الآية، فإن يوم القيامة يومٌ لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا يكفي أحد أحدًا في شأن من الشؤون.
{أُولَئِكَ}: الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة. قال في "برهان القرآن" بغير واو موافقة للجمل التي قبلها، ولقوله:{أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ}. {أَصْحَابُ النَّارِ}؛ أي: ملازموها ومقارنوها أو مالكوها، لكونها حاصلهم وكسبهم الذي اكتسبوه في الدنيا بالسيئة المردية المؤدية إلى التعذيب. {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يخرجون منها أبدًا. وضمير {هُمْ} لتقوية الإسناد ورعاية الفاصلة، لا للحصر؛ لخلود غير المنافقين فيها من الكفار.
والمعنى: لن تغني عن هؤلاء المنافقين الأموال، فيفتدوا بها من عذاب الله،